الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

العلم يؤكد على دور الروائح في الانجذاب بين الجنسين

دور الروائح في الانجذاب بين الجنسين

هل انتابك شعور بالسعادة بمجرد مرورك من جنب خباز، او بمجرد ان شممت رائحة القهوة الطازجة تنبعث من مقهى أو بيت؟ إذا كان الرد بالإيجاب فأنت واحد من بين ملايين الناس، ممن تؤثر الروائح على نفسيتهم.

هذه الحقيقة لم يطرحها خبراء العطور أو خبراء علم النفس أو العلاج البديل فحسب، بل حتى خبراء العقارات يجمعون ان رائحة البيت تؤثر على المشتري ومدى تقبله للمكان وإحساسه بالراحة فيه، وربما حتى على السعر، وبالتالي ينصحون أصحاب البيوت بطهي كعكة أو تحضير القهوة الطازجة قبل وصول المشتري، لما تمنحه هذه الروائح من شعور بالراحة النفسية ومشاعر إيجابية.

وليس هناك أفضل من رواية "العطر" للكاتب الألماني باتريك زوزكند للحديث عن العطور وحاسة الشم وأهميتهما في الحياة اليومية والاجتماعية. فالعطر في رواية زوزكند هو الحافز الأساسي في سلسلة الجرائم الفظيعة التي يرتكبها البطل "رغم أنفه" بسبب حساسيته الاستثنائية للعطور.

كما يبدو من مجرى الرواية أن رائحة الشم القوية عند قاتل النساء، الذي كان "يعتصر" رائحة أجسادهن في أوعية صغيرة، كانت وبالا عليه لأنها أصبحت مصدر نزوعه الاجرامي.

والمعروف أن الشم من أقدم الحواس التي تطورت عند الإنسان القديم الذي استخدمها في التقصي والصيد والأكل وغيرها من الملذات. إلا أن الثابت اليوم علميا هو أن الإنسان الحديث، وخصوصا المقيم في المجتمعات الرأسمالية، فقد الكثير من قدراته على الشم، الأمر الذي دفع عالم الوراثة الاميركي، البروفيسور دورن لانسيت وزميله الألماني سفين بيبو، لشحذ رهافة انفيهما وتقصي أسباب هذا التراجع المنظم في حاسة الشم.

وكانت النتيجة أن عشرات، وربما مئات الجينات، من عائلة الجينات المختصة بالشم، وهي اكبر العوائل الحسية وتتألف من نحو 1000 جين، فقدت وظيفتها بمرور الوقت، بنسبة تتراوح ما بين 33 إلى 66%.

وتحولت الجينات بهذه الصورة إلى "جينات كاذبة" لا تعني للإنسان أكثر مما تعنيه قلامة أظافره. وظهر من الأبحاث المختبرية أن الفئران نفسها فقدت خلال القرون الماضية 15% من حاسة شمها.

ويتفق العالمان على أن تطور حاسة البصر خلال القرون الماضية جاء على حساب حاسة الشم. فالإنسان يعيش اليوم عالما غزير الألوان يحتاج فيه إلى عينين سليمتين وكبيرتين وليس إلى أنف عظيم يدسه فيما لا يعنيه.

وتأكد العالمان من ذلك حينما أجروا تجاربهم على قرود العالم القديم (آسيا وأفريقيا) بالمقارنة مع قرود العالم الجديد (الاميركتين) فتوصلوا إلى أن قرود اميركا فقدت كثيرا من حاسة الشم في حين احتفظ قرود افريقيا بها رغم معاناتهم من عمى الألوان.

وكان قرود امريكا اللاتينية استثناء لأنهم طوروا قدراتهم البصرية خلال نفس الفترة واحتفظوا بحاسة شمهم القوية في ذات الوقت. وذكر العالمان أن قرود البرازيل استطاعت كشف الفواكه البلاستيكية من النظر فقط دون الحاجة إلى شمها.

وفي التراث العربي توجد أمثلة كثيرة عن أهمية حاسة الشم، نذكر منها ما قاله الشاعر بشار بن برد مرة: "الاذن تعشق قبل العين أحيانا" وصور بذلك حاجته الماسة ككفيف لأذنه في مواصلة نشاطه العاطفي، وهو عكس ما صوره بطل فيلم "عطر النساء" الكفيف، ويؤديه آل باتشينو، الذي يقع في غرام النساء من خلال رائحتهن.

فهذه الروائح، كما يقول العلماء، لها دور كبير في تقارب الناس من الجنسين، بل ويعتقد البعض أن الانجذاب العطري أهم من العاطفي أحيانا في نشوء بعض الزيجات، وأن هذا لا يقتصر على الحيوانات فقط.

ويذهب العلماء السويسريون، وهم إلى جانب الفرنسيين من أقدم الباحثين في الروائح والعطور، إلى أبعد من ذلك بقولهم بأن هناك روائح كريهة وروائح جنسية جذابة تنبعث من تحت الإبط.

وكمثل فان سر جاذبية رائحة البعض تعتمد على كمية مادة اندروستيرون المنطلقة مع العرق تحت الإبط، الباحث السويسري انتوني ج. كلارك، من شركة عطور "فيرمنش أي سي"، فحص عرق 30 متطوعا فتوصل إلى وجود 8 أنواع من العناصر الكحولية المحتوية على الكبريت في عرقهم.

وهناك عنصر مؤثر جدا بينها وهو 3- Methyl-3-Sulphnylhexan-1-OH يقرر إلى حد بعيد ما إذا كانت رائحة عرق الإبط جميلة أو كريهة حسب تركيزه. هذا بالرغم من أن هذا الكحول لا يشكل في عرق الإبط أكثر من 4 جزيئات في كل مليار جزيء.

وستعمل الشركة، بعد أن حازت على براءة الاختراع، في استخدام هذا الكحول لإنتاج عطور صناعية جديدة يمكن أن تحدث ثورة في مجال "العطور والجاذبية الجنسية" مستقبلا.

أصبح من الطبيعي في الغرب اليوم أن يشم الإنسان رائحة الشيكولاتة المنبعثة من جهاز الكتروني حينما يدخل محلا لبيع البوظة، يشم رائحة القهوة حينما يمر قرب الرصيف، ويشم رائحة ادغال الأمازون حينما يمر قرب مكتب للسفرات السياحية. "فتعطير" الزبائن بهدف تحفيزهم للاستهلاك أصبح عاديا باستخدام "راجمات العطور" الإلكترونية رغم المخاطر التي قد تسببها هذه الروائح للمعانين من الحساسيات والربو وغيرهما.

ويقال ان هوليود تخطط لاستخدام التقنية الإلكترونية في الأفلام بهدف "تعطير" المشاهد بأجواء الفيلم، وخصوصا حينما يندلع حريق أو ينسكب برميل نفط. وتصوروا الأمر حينما يتسلل جيمس بوند إلى وكر المافيا الروسية من المجاري فيتفاجأ الجمهور برائحة عالم الجاسوسية الكريه.

وحذرت دائرة البيئة الألمانية من مغبة "التعطير" المفاجئ للناس مشيرة إلى أن 80% من العطور "الذكية" هي عطور صناعية لم تخضع للفحص الطبي. وفحص خبراء مجلة "ايكو - تيست" البيئية 29 عطرا من هذه العطور الإلكترونية فوجدوا أن 18 منها (أي 62%) "يزكم الأنوف" فعلا وتنطوي على مخاطر جدية عند استنشاقها بتركيز.

علما أن في السوق كومبيوترات قادرة على إطلاق 200 نوع من العطور التي تمتد روائحها بين الخبز المحمص والكمثرى والقهوة... إلخ. وقدر خبراء الكومبيوتر إمكانية حفظ 16 ألف عطر مختلف في "راجم" واحد للعطور. وخصص الألمان عام 1999 مبلغ 10 مليارات يورو لشراء العطور والروائح ومنعشات هواء الغرف وملطفات مكيفات الهواء.

الكومبيوتر الباعث لروائح في السوق 650 - 1500 يورو حسب عدد العطور التي يخزنها. ويرتفع سعر الكومبيوتر " العطري " المخصص لتلطيف مكيفات الهواء.

ليست هناك تعليقات: